كثر الحديث مؤخراً عن إمكانية عودة الاستثمارات العربية والأجنبية والنشاط الاقتصادي إلى سوريا من جديد، لاسيما بعد الانفتاح العربي والغربي على البلاد، من بعد قرار رفع العقوبات الأميركية والأوروبية.
ومن المؤكد بأن الحراك العربي والعالمي لحجز حصة من الاستثمارات في البلاد، مرده لما تتمتع به سوريا من منابع ثروات ما تزال خام ولم تستثمر بالشكل الحقيقي والفعال، ولعل أهم هذه الخامات هي الثروات المعدنية الدفينة والتي ما يزال قسم كبير منها لم يستثمر من قبل، أو استثمر بشكل جزئي ومحدود.
وكانت التصريحات المنسوبة لمختصين في الثروات المعدنية في سوريا، تؤكد بأن سوريا تمتلك قدرات وخبرات كبيرة من الخبراء الجيولوجيين وما ينقصها هو رأس المال والإمكانيات الفنية والتقنية.
حيث كانت مشاريع الثروات المعدنية تطرح بشكل دائم، لكن المناخ السياسي والاستثماري حول سوريا لم يكن مناسباً، نتيجة العقوبات الأميركية والأوروبية.
اليوم يبدو بأن المناخ المناسب بات متوفراً للبحث عن شركاء استراتيجيين في ظل الانفتاح العربي والغربي، ما يشكل فرصة ذهبية للاستثمار في ثروات غنية ومهمة في سوريا، بعدما تم اكتشاف ثروات معدنية جديدة في سوريا.
حيث أكدت الأبحاث أن سوريا تمتلك خامات متعددة ومتنوعة من الثروات المعدنية الباطنية، حيث يوجد 21 خام وفلذ يمكن إقامة صناعات عليها، وتحقيق القيمة المضافة الاستثمارية منها، ما يؤهل سوريا لأن تكون في موقع الصدارة بمجال صناعات خامات الثروة المعدنية، حيث أن كل خام يعني عشرات الاستثمارات، مع العلم بأنه يوجد أكثر من خمسة آلاف جيولوجي في سوريا وكلهم يتمتعون بالخبرات والمؤهلات العلمية العليا.
ولكن هناك حاجة ضرورية لتعديل التشريعات والقوانين، لجعل قطاع الثروة المعدنية أكثر جذباً للاستثمارات المحلية والأجنبية، ما يساهم بخلق فرص عمل وخاصة في مناطق تواجد الثروة المعدنية، حيث يتواجد قسم منها في مناطق نائية من البلد، ولذلك يجب العمل على تطوير البنية التحتية وشبكات الطرق والنقل، بما يفتح الباب لخلق صناعات جديدة.
الخامات والثروات الباطنية
من بين أهم الثروات المعدنية التي تملكها سوريا وتم طرحها للاستثمار خلال سنوات سابقة تبرز الخامات التالية:
- الفوسفات: تشير الأبحاث لوجود أكثر من 2400 مليون طن، يمكن استخدام جزء منه للتصدير وجزء لصناعة الأسمدة.
- الرمل الكوارتزي: يوجد حوالي 400 مليون طن في مناطق القلمون، ويدخل في صناعات الزجاج والإسمنت والسيراميك.
- الملح الصخري والملاحات السطحية: توجد كميات تصل إلى آلاف ملايين الأطنان، يستخدم في صنع ملح الطعام ويدخل في صناعة الكلور.
- خامات الإسفلت: تشير التقديرات لوجود أكثر من 90 مليون طن.
- مادة الجص: هناك احتياطيات هائلة في المحافظات الشرقية وفي محافظة اللاذقية، وهي تستخدم في صناعة الإسمنت وألواح الجص.
- الصخور الغضارية: عشرات ملايين الأطنان، تُستخدم في إنتاج السيراميك والقرميد.
- الصخور الرخامية: أكثر من 50 مليون طن في المنطقة الوسطى.
- الدولوميت: مليارات الأطنان في حمص وريف دمشق، يُستخدم في الخرسانة والزجاج.
- الكلس النقي: مئات ملايين الأطنان، يُستخدم في إنتاج الإسمنت الأبيض والدهانات.
- الزيوليت: الكميات المقدرة تبلغ أكثر من 650 مليون طن.
- الحديد: الدراسات أشارت لوجود أكثر 300 مليون طن.
- السجيل الزيتي: الأبحاث بينت وجود أكثر من 4000 مليون طن.
وكان هيئة الاستثمار السورية قد أعلنت سابقاً عن وجود دراسات بحثية لأكثر من ١٣ فرصة استثمارية، في مجال الثروة المعدنية وهي مطروحة ضمن خارطة هيئة الاستثمار السورية.
يمكن لهذه الفرص إن تم استثمارها أن تغطي حاجة السوق المحلية والاستغناء عم يستورد منها، وبالتالي توفير القطع الأجنبي، وذلك في المراحل الأولى من الإنتاج، وفي مرحلة لاحقة يمكن لاستثمار هذه الصناعات أن يساهم بتصديرها وبالتالي إدخال قطع أجنبي هام لخزينة الدولة، بما يدعم الاقتصاد السوري.
وهنا سنورد تفاصيل بعض هذه الخامات والتي تعد هامة جداً وقادرة على جذب الاستثمارات العربية والأجنبية.
خامات السجيل الزيتي
استثمار صخور السجيل الزيتي يعد من أبرز الصناعات الاستخراجية، ويقدم كبديل استراتيجي لتوليد الكهرباء.
ومن أهم مواقعه الجغرافية يبرز موقع خناصر – جنوب شرق حلب بمئة كم، ويمتد على مساحة ٨ كم٢ مع إمكانية التوسع، حيث يتوفر احتياطي كبير من المادة بحوالي واحد مليار طن، بالإضافة إلى كميات كبيرة تتواجد في مواقع أخرى من سوريا.
وتعود أهمية هذه الثروة كونها يمكن أن تساهم في إقامة محطة بخارية لتوليد الكهرباء، حيث يمكن حرق السجيل الزيتي لإنتاج الطاقة الكهربائية وهي عملية اقتصادية ونتائجها واضحة بشكل واسع.
ومين ميزات استخدام هذه الثروة أن محطات توليد الكهرباء من السجيل الزيتي تعمل بدارة مائية مغلقة ولا تحتاج لكميات إضافية من الماء.
وتبلغ التكلفة التقديرية لتنفيذ هذا المشروع حوالي ٨٠٠ مليون دولار، ويمكن أن يحقق عوائد سنوية تصل إلى ٢٠٠ مليون دولار.
كما يمكن استخدام السجل الزيتي في صناعات متعددة أخرى ومنها:
- استخراج الزيت والغار بعمليات التقطير
- إنتاج الاسفلت لتعبيد الطرقات
- صناعة الإسمنت بواسطة الرماد المحترق
- تخصيب التربة باستخدام الرماد والبقايا
- استغلال الزيت كناتج بتروكيماوي يستغل في صناعة البلاستيك ومبيدات الحشرات والكيماويات.
خامات الحديد
أن السعي للاستثمار في خامات الحديد موضوع قديم في سوريا ليس وليد اليوم، ومنذ ثمانيات القرن الماضي بدأ التنقيب على امتداد مواقع أساسية ومنها الزبداني والقدموس وأجرت المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية في ذلك الوقت دارسات اقتصادية مع عدة شركات أجنبية بولونية وبريطانية وألمانية وهندية وكانت النتائج متفاوتة حول جدوى الاستثمار.
كون الخام السوري فقير ونسبة الحديد حوالي 30% وحتى تدخل هذه الصناعة يجب أن تكون النسبة أعلى من ذلك، وهذا الأمر أوقف تصنيعه في الفترة الماضية وكانت هذه الصناعة تحتاج كميات كبيرة من الفحم وأسعار الفحم كانت مرتفعة وجميع الدراسات التي اجريت في ذلك الوقت دعت للتريث بسبب التكاليف المرتفعة.
وحالياً تغيرت الظروف والإمكانات وعادت هذه الصناعة للواجهة في ظل تغير أسعار الفحم ودخول الغاز إلى الصناعات كونه كان غير متوفر في الحقبة الماضية.
ومن خلال دراسات الخبراء الخاصة بخامات الحديد، تبين أن هناك إمكانية للعمل في هذه الصناعة، لكن لا يمكن إقامتها بتمويل سوري، لأنها من الصناعات الاستراتيجية الكبيرة التي تحتاج إلى رأس مال كبير يصل إلى ٧٠٠ مليون دولار، ومثل هذا المشروع يمكن إقامته بالشراكة مع شركات عالمية.
ومن بين الخيارات المطروحة سابقاً، كان تصدير الحديد على وضعه بشكل خام، لكن تبين أن تصدير الخامات بهذا الشكل خاسر لأننا سنفقد القيمة المضافة ونخسر إيرادات كبيرة ومن الأفضل البحث عن شركاء يرغبون بالاستثمار.
وأشارت عمليات البحث عن وجود كميات تفوق 300 مليون طن، وحيث أن المصانع الحديثة تعمل بطاقة تتراوح ما بين ٧٠٠ وألف طن، فإن المخزون من الحديد في سوريا، يكفي لخمسين عام، مع التذكير بأن معامل الحديد العاملة في سوريا حالياً، هي معامل تصنيع فقط تستورد كرات الحديد المصنعة وتعمل في سحبها وتختلف عن معامل الحديد الخام وتصنيعه.
ويمكن إقامة مشروع لإنتاج الحديد الصلب والملونات والمعجون الحديدي أو سبائك الفيرو سيليس، وتطوير استخدام منتجات التصنيع، وبالتالي تحقيق التنمية للمناطق المستثمرة، إضافة لتشغيل القوى العاملة المحلية العادية والفنية.
خامات الفوسفات
سوريا كانت تحتل المرتبة الخامسة عالمياً بتصدير الفوسفات، وتشير الأبحاث لوجود أكثر من 2400 مليون طن، يمكن استخدام جزء منه للتصدير وجزء لصناعة الأسمدة.
ومن الاقتراحات الممكنة إقامة مصنع مشترك مع مستثمر أجنبي لإنتاج السماد السوبر فوسفاتي، على اعتبار أنه من الأجدى تصدير الفوسفات كمنتج جاهز بدلاً من تصديره كمنتج خام.
تتوزع خامات الفوسفات في سورية في المناطق الآتية:
- السلسلة التدمرية: في ثـلاث مناطق تتركز فيها الخامات وهي:
- منطقة خنيفيس.
- منطقة الشرقية ( الصوانة )
- وادي العوابد ( الرخيم )
٢- المنطقة الساحلية: تتوزع خامات الفوسفات في المنطقة الساحلية في مواقع
- عين ليلون
- عين التينة
- قلعة المهالبة
- حمام القراحلة
وتعد خامات الفوسفات السوري إحدى أهم الثروات الاستراتيجية في العالم لما لها من أهمية متنامية في مجالات اقتصادية مختلفة، كونها قد دخلت كمادة أولية مميـزة فـي إنتاج منتجات وسلع لا حصر لها . ويمكن تحديد مجـالات الاسـتفادة مـن خامـات الفوسفات بالآتي:
- الزراعة
- الصناعات الغذائية
- الصناعات البتروكيماوية
- صناعة وتحضير أعلاف الثروة الحيوانية
- صناعة الأسلحة
- صناعة الزيوت والشحوم المعدنية اللازمة لمنع تآكل المعادن
- صقل المعادن وزيادة لمعانها
- فصل العناصر المشعة وتنقيتهـا كـاليورانيوم والثوريـوم والمولبيـديوم وغيرها
خامات الزيوليت
خام الزيوليت اكتشف في المنطقة الجنوبية الشرقية، وكان قد تم تنفيذ تجارب لاستخدامه في المجال الزراعي والصناعي، حيث أنجزت دراسة تنقيبية متكاملة مع تقدير الاحتياطي المتوافر، ويمكن طرح مشاريع للاستثمار مع الشركات المحلية والعربية والدولية.
ويدخل استخدام الزيوليت في النواحي التالية:
- يمزج الزيوليت مع كمية قليلة من السماد الكيماوي، ما يساهم بزيادة مدة فعالية الأسمدة حتى خمس سنوات، ويبقى الزيوليت مع السماد في الطبقة العلوية من التربة، للحفاظ على رطوبة التربة.
- يزيد من إنتاجية الخضار والفواكه، ونسبة الفيتامينات فيها، وكذلك من مناعتها ضد الأمراض
- يضاف إلى علف الدواجن للحفاظ عليه لمدة طويلة، كما يسهم في زيادة إنتاجية وتحسين نوعية البيض.
- يستخدم لتنظيف المداجن والحظائر دون استخدام الماء – كسماد عالي الفعالية عند مزجه بفضلات المداجن والحظائر- كبديل للرمل إذ إنـه أخف وزناً وإذا مزج بالإسمنت يعطـي الصلابة والنعومة للسطح المصبوب، وهو مقاوم للتآكل تحت الماء.
ويمكن تنفيذ مشروع إنتاج الزيوليت بتكلفة تقديرية تقارب ٧ مليار دولار، وقادر على تحقيق عوائد سنوية تصل إلى١.٥ مليون دولار
خام البلوك الطفي
يتواجد خام البلوك الطفي البركاني في محافظتي السويداء وريف دمشق باحتياطي يقدر بنحو ٣٠٠ مليون طن.
ويمكن استثماره من خلال إقامة مصنع متكامل لصناعة البلوك الطفي، ويهدف المشروع لإنتاج بلوك بركاني يستخدم في عملية بناء الجدران والحوائط وفي بناء المدن الصناعية، وبالتالي توفير منتج صديق البيئة يوفر عزلاً حرارياً كاملاً عالي الجودة للتقليل من استخدام الطاقة الملوثة.
كما يمكن الاستفادة من خامات البازلت الموجودة لدينا، بالتعاون مع مستثمر أجنبي، للحصول على القضبان والأنابيب البازلتية، ومن المعلوم بأن الصناعات من خامات البازلت تعد صناعة حديثة على مستوى العالم.
علي محمود سليمان – ريادة للدراسات
